اعداد/محمد الفحله
بين ضجيج السلاح وتعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط، تواصل مصر أداء دورها التاريخي كركيزة للاستقرار، ووسيط موثوق يحمل على عاتقه مسؤولية نزع فتيل الأزمات وإحياء مسارات الحلول السلمية.
في الوقت الذي يشتعل فيه الشرق الأوسط بصراعات متعددة الأوجه — من غزة إلى اليمن، ومن التصعيد الإيراني الإسرائيلي إلى الجمود في سوريا ولبنان — تبدو القاهرة كمنارة دبلوماسية وسط العاصفة. دبلوماسية مصرية رصينة ومواقف محسوبة تدفع باتجاه التهدئة والحلول السياسية، بعيدًا عن لغة التصعيد أو الاصطفافات الحادة.
جهود حثيثة لوقف نزيف غزة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، برز الدور المصري كأحد أبرز الجهود الإقليمية الرامية إلى التهدئة. وقادت القاهرة عدة مفاوضات غير معلنة بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، بغية الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وفتح المعابر لتخفيف المعاناة عن أهالي القطاع.
وقد أكدت القيادة السياسية المصرية، على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن "مصر لن تدخر جهدًا في دعم الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية"، مضيفًا أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف.
مواقف متوازنة في ملفات شائكة
تتمسك مصر بموقف مبدئي واضح في كافة أزمات الإقليم: وحدة الأراضي، احترام السيادة الوطنية، والحوار كأساس للحل. وهذا ما يظهر بوضوح في الموقف المصري من الأزمة السورية، حيث تدعو القاهرة إلى تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة سوريا وخروج جميع القوى الأجنبية غير الشرعية، بالتوازي مع تقديم دعم إنساني مستمر للشعب السوري.
وفي الملف اليمني، تساند مصر جهود الأمم المتحدة للوصول إلى اتفاق دائم، وتشدد على ضرورة إنهاء معاناة المدنيين ووقف التدخلات الخارجية التي تعمّق الأزمة. أما في الأزمة السودانية، فقد لعبت القاهرة دورًا بارزًا في استضافة الحوار بين الأطراف المتنازعة، انطلاقًا من روابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
التحرك في الساحات الدولية
لم تقتصر الدبلوماسية المصرية على التحرك داخل المنطقة، بل امتدت إلى الساحات الدولية، حيث حرصت القاهرة على نقل وجهة النظر العربية في المحافل الكبرى. وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، كانت مصر واضحة في طرحها: الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في ظل تجاهل حقوق الشعوب، وتفاقم الكوارث الإنسانية، وغياب العدالة الدولية.
كما عززت مصر من تعاونها مع الشركاء الدوليين، خصوصًا الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، والولايات المتحدة، بما يخدم الأمن القومي العربي ويمنع الانزلاق إلى مواجهات أوسع.
مصر في زمن التحولات
رغم الأزمات المحيطة، تمضي مصر في تنفيذ رؤيتها الوطنية، مدفوعةً برغبة حقيقية في بناء نموذج إقليمي يوازن بين التنمية والأمن، وبين السيادة والدبلوماسية. وفي زمن تحكمه صراعات النفوذ والمصالح، تختار القاهرة أن تكون جسرًا للحوار لا جدارًا للانقسام.
ويجمع المراقبون على أن دور مصر لم يكن يومًا هامشيًا، بل دائمًا في القلب من الأحداث، يسعى لترميم ما تهدم، وبناء الثقة بين الخصوم، في وقت يحتاج فيه الشرق الأوسط بشدة إلى صوت عاقل يقود المركب وسط أمواج متلاطمة.