لم يكن لسد النهضة الإثيوبي أن يرى النور لولا الفوضى والانهيار الذي ضرب المنطقة بعد أحداث عام 2011 .
فبينما انشغلت الدولة المصرية بمواجهة تداعيات مرحلة عدم الاستقرار ، استغلت أديس أبابا الفرصة لتفرض أمراً واقعاً وتضع حجر الأساس لمشروعها المثير للجدل .
منذ البداية ، لم يكن السد مشروعاً للتنمية بقدر ما كان مناورة سياسية بامتياز .
إذ أن الأهداف المعلنة حول توليد الكهرباء وتوفير الطاقة لا تتناسب مع حجم المخاطر والأزمات الإقليمية التي خلقها ، بل تحوّل إلى ورقة ضغط على مصر والسودان ، ومحاولة لاستخدام المياه كسلاح استراتيجي في معادلة القوة بالمنطقة .
الأكثر خطورة أن جماعة الإخوان ، التي حكمت مصر لفترة وجيزة ، لعبت دوراً مباشراً في تمرير هذا المشروع عبر صفقات غامضة وتواطؤ سياسي واضح .
فقد انشغلت الجماعة بترسيخ سلطتها وتأمين بقائها في الحكم ، على حساب الأمن القومي المصري ومصالح الشعب .
وبذلك ، تحولت شراكتها غير المعلنة مع الجانب الإثيوبي إلى أحد أسباب تمكين بناء السد في تلك المرحلة الحساسة .
الواقع أن ما جرى لم يكن مجرد مشروع هندسي ضخم ، بل خطة مدروسة لاستغلال لحظة الارتباك السياسي الداخلي في مصر والمنطقة .
إثيوبيا لم تكن تبحث عن تنمية بقدر ما كانت تبحث عن نفوذ ، والجماعة الإرهابية ساعدت في ذلك عبر فتح الباب أمام تهديد استراتيجي طالما حذرت منه الدولة المصرية .
اليوم ، وبعد مرور سنوات ، يتضح أن سد النهضة لم يحقق لإثيوبيا ما روّجت له من مكاسب تنموية ، لكنه نجح في أن يصبح أداة مساومة سياسية وإقليمية .
ومن هنا ، فإن القضية لم تعد مجرد نزاع مائي ، بل صراع على السيادة والأمن القومي ، فرضته لحظة تاريخية من الفوضى كان للإخوان المتأسلمين دور أساسي في صناعتها .