هل الذكاء الاصطناعي لا يُخطئ؟
إذا كنا نحلم بعالم تُدار فيه الحياة بأنظمة ذكية، فعلينا أن نكون أكثر ذكاءً في التعامل معها.
هل الذكاء الاصطناعي لا يُخطئ؟
في زمنٍ بات فيه الذكاء الاصطناعي (AI) يتسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية — من اقتراحات الأفلام إلى التشخيصات الطبية، ومن مراقبة الأمن إلى قيادة السيارات — يطرح سؤال واحد نفسه بإلحاح: هل الذكاء الاصطناعي لا يُخطئ؟
قد تكون الصورة النمطية للذكاء الاصطناعي في الأذهان مرتبطة بالدقة والحياد والسرعة، لكنه، في واقع الأمر، ليس معصومًا عن الخطأ. بل إن بعضًا من أخطر الإخفاقات في السنوات الأخيرة تعود إلى قرارات خاطئة اتخذتها أنظمة ذكية.
عندما "تتوه" الخوارزميات
أحد الأمثلة البارزة على ذلك ما حدث في عام 2023 عندما أخطأت خوارزمية معتمدة في قطاع التأمين الصحي في الولايات المتحدة في تقييم أولوية العلاج لآلاف المرضى، متسببة في تأخير الرعاية عن مرضى كانوا في أمسّ الحاجة إليها. الخطأ لم يكن "تقنيًا" بحتًا، بل نتيجة لتعلم الآلة من بيانات تاريخية غير متوازنة، ما أدى إلى انحياز النظام ضد فئات معينة من المرضى.
في حادثة أخرى، رُصدت سيارة ذاتية القيادة تتجاهل إشارة توقف في تقاطع فرعي. تبين لاحقًا أن الذكاء الاصطناعي المسؤول عن القيادة لم يتم "تدريبه" على نوع معين من الإشارات المثبتة بطريقة غير تقليدية. هل اللوم على الآلة؟ أم على من علمها؟
الذكاء الاصطناعي لا يُفكر، بل يُقلد
لفهم سبب الخطأ، علينا أن ندرك شيئًا أساسيًا: الذكاء الاصطناعي لا يُفكر كما يفعل البشر. بل هو نظام إحصائي يعتمد على أنماط البيانات السابقة. إنه بارع في إيجاد الأنماط والتكرار، لكنه لا يملك فهمًا حقيقيًا للمعنى، ولا يُدرك العواقب الأخلاقية أو الاجتماعية لقراراته.
هذا النقص في "الوعي" يجعل الذكاء الاصطناعي عرضة للخطأ حين يواجه حالات لم "يرَ" مثلها من قبل، أو حين تكون البيانات التي تم تدريبه عليها غير كافية، أو منحازة، أو حتى "ملوثة".
الخطأ البشري في قلب الخطأ الآلي
قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن الكثير من أخطاء الذكاء الاصطناعي تعود في الأصل إلى البشر. فالبشر هم من يختارون البيانات، ويحددون الأهداف، ويبرمجون الحدود، ويقررون ما هو "صحيح" وما هو "خطأ". إذا أدخلنا إلى النظام بيانات مشوشة أو غير مكتملة أو منحازة، فسنحصل على نتائج مشوشة أو منحازة — وهي قاعدة معروفة في علوم الحاسوب تُختصر بعبارة: "Garbage in, garbage out."
الأخطاء التي لا تُغتفر
رغم طبيعته البرمجية، هناك أخطاء للذكاء الاصطناعي لا تُغتفر. مثلًا، قرار خاطئ في سيارة ذاتية القيادة قد يودي بحياة إنسان. تشخيص طبي غير دقيق قد يُهمل مرضًا خطيرًا في بداياته. لذلك، فإن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي دون رقابة بشرية صار محل جدل كبير.
تطالب هيئات دولية كالاتحاد الأوروبي بفرض معايير صارمة للمساءلة والشفافية على أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في القطاعات الحساسة مثل القضاء والطب والنقل.
هل يمكن أن يُصبح الذكاء الاصطناعي "معصومًا" يومًا ما؟
السؤال المطروح الآن ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يُخطئ، بل كيف نحدّ من هذه الأخطاء؟. علماء الذكاء الاصطناعي يعملون على تطوير خوارزميات "قابلة للتفسير" (Explainable AI)، تسمح بفهم طريقة اتخاذ القرار داخل النظام. كذلك، هناك توجه متزايد لدمج الذكاء الاصطناعي مع "التفكير الأخلاقي"، عبر تضمين قواعد أخلاقية في تصميم الأنظمة.
لكن حتى في أفضل السيناريوهات، يبقى هناك عنصر لا يمكن استبعاده: المفاجأة. فالعالم الحقيقي أكثر تعقيدًا وتغيرًا من أن تحتويه كل نماذج التعلم.
و في الختام يجب أن نعرف
الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية، لكن مثل أي أداة، قيمته مرهونة بكيفية استخدامه. لا، الذكاء الاصطناعي ليس معصومًا عن الخطأ، ولا ينبغي التعامل معه كبديل للبشر، بل كمساعد ذكي بحاجة إلى إشراف وتوجيه دائم.