اعداد:محمد الفحله
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي، وتتسلل العولمة إلى تفاصيل حياتنا اليومية، تبرز الحاجة الملحة إلى إيجاد توازن دقيق بين مواكبة التطور والحفاظ على الهوية الثقافية. وفي قلب هذا التحدي، يقف الإعلام والمثقفون كأحد أهم الخطوط الدفاعية التي تحمي الخصوصية الثقافية للأمم، وتعيد تشكيل الوعي الجمعي في ظل هذا التحوّل المتسارع.
من جهة، يُفترض بالإعلام أن يكون نافذة على العالم، يعكس الواقع كما هو، ويُتيح للناس الاطلاع على المستجدات في مختلف المجالات. إلا أن هذه النافذة يجب ألا تُفتح على حساب الذات، بل يجب أن تُصمّم بأسلوب يُمكّن المتلقي من أن يرى العالم من موقعه هو، لا من موقع الآخر. هنا تبرز مسؤولية الإعلام العربي في تقديم محتوى متوازن، لا يكتفي بنقل النماذج الغربية بوصفها المثال الأعلى، بل يسعى إلى إبراز التجارب المحلية، والابتكارات العربية، والنماذج التي تجمع بين الأصالة والتقدم.
أما المثقفون، فهم ركيزة الوعي، وحراس اللغة، وأمناء الذاكرة الجماعية. في مجتمعات تتعرض لفيضٍ من المعلومات، معظمها مستورد ومفلتر من خلال عدسات لا تعبّر عن ثقافتنا، يصبح دور المثقف هو إعادة تأويل هذا السيل، وفرز ما يصلح لهويتنا وما يجب الحذر منه. ليس من باب الانغلاق، بل من منطلق الوعي النقدي، والقدرة على التمييز بين التقدّم الذي يُضيف إلى ثقافتنا، والتقليد الذي يُضعفها.
التحدي الحقيقي لا يكمن في رفض الحداثة، بل في اختيار شكلها المناسب لنا. فالانبهار غير الواعي بالتكنولوجيا والثقافات المستوردة قد يُفقد المجتمعات توازنها، ويُسهم في إضعاف لغتها، وتهميش تراثها، بل وحتى تغييب سردياتها الخاصة. لذلك، يجب أن يُسهم الإعلام والمثقفون في بناء خطاب جديد، يُربّي على الفخر بالهوية، دون الوقوع في فخ التمجد بالماضي أو التحجر الثقافي.
إن المطلوب اليوم ليس الانفصال عن العالم، بل الحضور الواعي فيه. والمطلوب ليس اجترار التاريخ، بل استلهامه لصياغة مستقبل يشبهنا. وهنا، يتقاطع دور الإعلام والمثقفين في تشكيل جسرٍ متين بين ما كنّا عليه، وما نريد أن نكونه.
وفي النهاية، تبقى الأصالة ليست رفضًا للحداثة، بل قدرتنا على أن نكون أنفسنا ونحن نتقدّم.