اعداد : محمد الفحله
مصر، كونها دولة محورية في الشرق الأوسط، لم تكن ولا تزال متفرجة أمام ما تشهده المنطقة من تصعيد أمني وإنساني وسياسي، خصوصًا في فلسطين، والتوترات بين الدول الكبرى، والصراعات الإقليمية. موقفها يتشكل من عدة محاور: الحفاظ على الأمن القومي، الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، الوساطة، وتجنيب المنطقة مزيدًا من الانفلات الأمني أو الانقسام السياسي.
السياسات والمواقف الرسمية
1. خفض التصعيد ودعوة ضبط النفس
مصر تطالب دائمًا بوقف التصعيد العسكري في كافة بؤر التوتر، ولا ترى في الحلول العسكرية حلاً مؤديًا للاستقرار الدائم. موقفها يؤكد أن الحلول السياسية والتفاوضية هي الطريق المفضل.
2. الوساطة والتنسيق الدبلوماسي
القاهرة تلعب دور الوسيط في عدة محاور:
في القضية الفلسطينية، تنسّق مع أطراف عربية ودولية لتهدئة الأوضاع وإيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق الأسرى.
اتصالات مع الأطراف المعنية بالتوترات الأمنية في المنطقة كإسرائيل وإيران، في محاولة لمنع مزيد من التدهور.
3. دعم السلام العربي والإجماع العربي
مصر تؤكد مرارًا على أهمية وجود موقف عربي موحّد لدعم السلام الدائم وإعادة الإعمار في غزة، وتعزيز التضامن بين الدول العربية.
4. الحفاظ على الأمن القومي ومصالحها المائية
في مواقفها، لا تغفل مصر التحديات المرتبطة بالأمن المائي—خصوصًا ملف نهر النيل—وتعتبره جزءًا لا يتجزأ من سيادتها ومصالحها الاستراتيجية. كما تهتم بأمن الملاحة في البحر الأحمر نظراً لأهمية هذا الممر للتجارة العالمية.
5. الاستعدادات والتأهب للآثار الاقتصادية والسياسية
تؤخذ الاعتبارات المالية والاقتصادية في الحسبان بجدية من جانب القيادة المصرية، مع متابعة الأثر المحتمل للتوترات في المنطقة على الاستقرار الاقتصادي وسوق العملات والعلاقات التجارية.
المواقف الأخيرة للرئيس المصري
الرئيس عبد الفتاح السيسي أكّد أن الممارسات الإسرائيلية تعيق فرص التوصل إلى معاهدات سلام جديدة وتضر بالاستقرار الإقليمي.
كما شدد على ضرورة وجود موقف عربي موحّد لدعم السلام الدائم والاستقرار، مع التركيز على إعادة الإعمار في غزة.
التحديات التي تواجه مصر في تنفيذ هذا الموقف
1. الموازنة بين الضغوط الإقليمية والدولية
مصر مطالبة بالتوازن بين دعم القضايا العربية والإسلامية وبين الحفاظ على علاقات جيدة مع أطراف دولية مؤثرة.
2. الضغوط الاقتصادية
الأزمات الإقليمية تؤثر مباشرة على الاقتصاد المصري من خلال التضخم، تقلبات سوق العملات، وارتفاع تكاليف الاستيراد والطاقة.
3. الاستقرار الداخلي
ارتفاع التوتر في المنطقة قد يُربك المشهد الداخلي عبر تدفق اللاجئين أو الضغوط الإنسانية، إضافة إلى تأثيرات الرأي العام.
4. محدودية الخيارات العسكرية
مصر ترفض أن تكون طرفًا في التصعيد العسكري، وتفضل الوساطة والحلول السياسية، وهو ما يضع حدودًا لخياراتها.
الدلالات والفرص
الصورة الدولية لمصر كوسيط معتمد: الموقف المصري يعزز من صورتها كلاعب رئيسي قادر على جمع الأطراف وقيادة مبادرات السلام.
تعزيز الدور العربي الموحد: كونها حلقة وصل بين الدول العربية، مصر قادرة على الدفع نحو مواقف مشتركة تخدم الاستقرار.
فرص اقتصادية إذا استقرّت الأوضاع: استقرار المنطقة يفتح المجال أمام التجارة، الاستثمار، السياحة، والشراكات الإقليمية.
الخلاصة
مصر الآن تلعب دورًا مركزيًا في إدارة الأزمة في الشرق الأوسط. موقفها يقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية: الوساطة والتفاوض، الحفاظ على المصالح الوطنية، والدعوة إلى السلام والاستقرار. ورغم التحديات، فإن قدرتها على التأثير واضحة من خلال مواقفها الرسمية وتواصلها الدبلوماسي.
لكن، في ظل تداخل الأزمات الإنسانية والأمنية والاقتصادية، يبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع مصر الاستمرار في هذا الدور الوسيط دون أن تُضطر إلى خيارات صعبة؟ وكيف ستوازن بين الضغط الدولي والضغوط الداخلية، لتظل صوتًا حاضرًا وفعّالاً في المنطقة؟